مظاهر من الحياة العلمية في مكة المكرمة من خلال دراسة التراجم المكية في
كتاب: الضوء اللامع لأهل القرن التاسع لشمس الدين السخاوي
"بوساطة استخدام المنهج الكمي
بقلم : الدكتورة سوسن الفاخري
يعد كتاب : الضوء اللامع لأهل القرن التاسع من أضخم الآثار التي أنجزها شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي (831 -902 هـ/1327-1495م) فهو عمل موسوعي ترجم فيه لأكثر من اثني عشر ألفا من شخصيات هذا القرن ،وتكمن اهمية هذا الكتاب بامرين أولهما الكم الكبير من المصادر التي استخدمها المؤلف في جمعه لمادته والتي لم تقتصر على ما هو مدون , بل شملت ما شاهده وما حصل عليه من معلومات عن طريق الاتصال المباشر بمترجميه , مستفيدا من رحلاته إلى عدد واسع من مدن مصر ثم إلى كل من بلاد الشام والحجاز , وثانيهما أن هذا التنوع في مصادره جعل مادته تزخر بمعلومات ثرة واسعة عن مختلف أنشطة الشخصيات التي ترجم لها .
تتحرى هذه الدراسة الكشف عن بعض مظاهر الحياة العلمية في مكة المكرمة من خلال دراسة التراجم المكية الواردة في هذا الكتاب، غير ان المشكلة التي واجهت الباحثة ان الطبعات المتداولة منه طبعات تجارية لا تنطبق عليها المعايير العلمية المعمول بها في تحقيق النصوصلذا فقد كان لابد من اعتماد النسخ الخطية في قراءة النصوص الخاصة بالتراجم المكية أولا, إذ ليس من الصحة بمكان أن تستند الدراسة على نص غير محقق، وهذا استوجب الرجوع الى الاصول الخطية والتي أمكن الحصول على عشر نسخ من مجموع أربع عشرة نسخة منها ، وتم دراستها وتحديد صلتها ببعضها،واختيار النسخة الأم التي اعتمدناها اساسا للنص.(1)
أظهر المسح أن كتاب الضوء اللامع، يضم ستمائة وست تراجم مكية وأن المادة التي تضمنتها , زخرت بمعلومات مهمة عن أنشطة المكيين خلال القرون الهجرية الثلاثة؛ الثامن والتاسع والعاشر. مما سيوفر معلومات جديدة ، ويسد فراغا في تاريخ مكة التي تشغل مكانة خاصة في التاريخ العربي الإسلامي ، علما ان المقصود بالمكيين في هذه الدراسة كل اولئك الذين كانوا من اصل مكي او ولدوا ونشأوا في مكة اضافة الى من عاش ومارس نشاطا فيها او من اقام وتوفي فيها .
ولتحري الدقة في استخلاص نتائج البحث اعتمدنا المنهج الكمي الإحصائي ("البرنامج الإحصائي الخاص بالعلوم الاجتماعية " (Statistical "Package for the Social Sciences) والذي يرمز إليه عادة ب ( SPSS ) . وقد تم تجزءة المادة الى مداخل كل منها يمثل مداخل متباينة ، وقد تم التعامل معها احصائيا بما حوَلها الى مجموعات تتابين فيما بينها الا ان كل مجموعة لوحدها تضم عناصر متقاربة ومن ثم يصار الى استخراج نتائجها وتحليلها وتحديد دلالاتها وعلاقاتها بعضها ببعض ووضعها في إطارها الزماني والمكاني، لما يحققه هذا المنهج من نتائج أهمها: إمكانية الحصول على نتائج إحصائية دقيقة، ومن ثم محاولة مطابقة هذه النتائج الإحصائية مع المعلومات التي تقدمها المصادر التاريخية، والخروج بصورة دقيقة عن بعض مظاهر الأنشطة العلمية في مكة في القرن التاسع الهجري كما قدمها شمس الدين السخاوي.
علاقة السخاوي بمكة
يصف السخاوي مكة فيقول: وهي بلدةُ شريفةُ متسعة، فضائلها متنوعة، في بطن وادي ، يعظم بركته يتسارع اليه العباد، مُحدِقٌ بها جبال ، هي لها كالسُّور العال ، وفيها بيت الله الحرام، الذي تحطُّ به عن قاصده الاوزار والآثام ،ويأمن من المخاوف داخلهُ ،ولا تردُّ مسائله ووسائله ،وهو قبلةُ المسلمين احياءً وامواتاً ، ونحلةُ الملبيِّن جمعاً وأشتاتاً ، وقد قرأت الحديث فيه، وفي الحجر ومقام سيدنا ابراهيم الوجيه ، وبمقام الحنفية المكرَّم ، وعلى شفير زمزم المعظَّم ، وبسقاية سيدنا العباس ،وعلى جبل ابي قُبَيْسٍ بدون إلباس، وبالمكان المأثور لمولد المصطفى، وغيرها من الاماكن الزائدة فخرا وشرفا، يسّر الله العود اليها سبيلا، ونشرا على اهلها ظلاً ظليلاً.(2)
يلاحظ مما قاله السخاوي في وصف مكة مذى اهميتها بالنسبة له ،فلقد استفاد من رحلاته ومجاوراته الى مكة في كتابة التاريخ لتراجمه المكية ، فقد توجه السخاوي الى مكة لقضاء فريضة الحج ، وزيارة المدينة المنورة ، وكانت هذه اول رحلة الى الحرمين ، وكانت والدته بصحبته ، وذلك في اوائل جمادى الثانية من سنة ست وخمسين ، فمر بالطور ومنه ركب الى ينبع ،ثم الى جدة ، ولقي في هذه البلدان جمعا من اهل العلم ممن كان مجتازا واخذ عنهم ، حتى وصل مكة، ويذكر السخاوي اِفادته من هذه الرحلة فيقول:" وقرأ في غصون ذلك من الكتب الكبار والاجزاء القصار ما لم يتهيأ لغيلاه من الغرباء ولا من غيرهم في مثل هذه المدة ......على خلق كابي الفتح المَراغي ،والبرهان الزَّمْزمي ، وحافظ بلاد الحجاز التقي ابن فهد ، والزين الأَمْيوطي ، وقضاة مكة :الشافعي ابي السعادات بن ظهيرة ، والحنفي ابي حامد ابن الضياء ، والمالكي ابن الزين ، وزيادة على ثلاثين نفسا فيهم من يروي عن البهاء ابن خليل ،والكرماني، والاوزاعي، والجمال الاميوطي ، ابن ابي المجد، والتَّنوخي،والعراقي ، والهيثمي، والمجد اللغوي....وما لا احصره الان...."(3)
وبعد هذه الرحلة جاور السخاوي اربع مرات كان فيها معلما اكثر منه متعلما ، فالمجاورة الثانية كانت سنة سبعين وثمانمائة ، وكان معه فيها زوجته ووالده واخواه واولادهم، و ونزلوا بمكة في الرواق الكبير المجاور لعتبة ابراهيم على يمين الداخل(4) ، وكان ملازما بها الاقراء والتحديث، ثم سافر راجعا الى القاهرة وفي طريقه مر بالمدينة المنورة واسمع فيها اقرأ(5).
كتاب: الضوء اللامع لأهل القرن التاسع لشمس الدين السخاوي
"بوساطة استخدام المنهج الكمي
بقلم : الدكتورة سوسن الفاخري
يعد كتاب : الضوء اللامع لأهل القرن التاسع من أضخم الآثار التي أنجزها شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي (831 -902 هـ/1327-1495م) فهو عمل موسوعي ترجم فيه لأكثر من اثني عشر ألفا من شخصيات هذا القرن ،وتكمن اهمية هذا الكتاب بامرين أولهما الكم الكبير من المصادر التي استخدمها المؤلف في جمعه لمادته والتي لم تقتصر على ما هو مدون , بل شملت ما شاهده وما حصل عليه من معلومات عن طريق الاتصال المباشر بمترجميه , مستفيدا من رحلاته إلى عدد واسع من مدن مصر ثم إلى كل من بلاد الشام والحجاز , وثانيهما أن هذا التنوع في مصادره جعل مادته تزخر بمعلومات ثرة واسعة عن مختلف أنشطة الشخصيات التي ترجم لها .
تتحرى هذه الدراسة الكشف عن بعض مظاهر الحياة العلمية في مكة المكرمة من خلال دراسة التراجم المكية الواردة في هذا الكتاب، غير ان المشكلة التي واجهت الباحثة ان الطبعات المتداولة منه طبعات تجارية لا تنطبق عليها المعايير العلمية المعمول بها في تحقيق النصوصلذا فقد كان لابد من اعتماد النسخ الخطية في قراءة النصوص الخاصة بالتراجم المكية أولا, إذ ليس من الصحة بمكان أن تستند الدراسة على نص غير محقق، وهذا استوجب الرجوع الى الاصول الخطية والتي أمكن الحصول على عشر نسخ من مجموع أربع عشرة نسخة منها ، وتم دراستها وتحديد صلتها ببعضها،واختيار النسخة الأم التي اعتمدناها اساسا للنص.(1)
أظهر المسح أن كتاب الضوء اللامع، يضم ستمائة وست تراجم مكية وأن المادة التي تضمنتها , زخرت بمعلومات مهمة عن أنشطة المكيين خلال القرون الهجرية الثلاثة؛ الثامن والتاسع والعاشر. مما سيوفر معلومات جديدة ، ويسد فراغا في تاريخ مكة التي تشغل مكانة خاصة في التاريخ العربي الإسلامي ، علما ان المقصود بالمكيين في هذه الدراسة كل اولئك الذين كانوا من اصل مكي او ولدوا ونشأوا في مكة اضافة الى من عاش ومارس نشاطا فيها او من اقام وتوفي فيها .
ولتحري الدقة في استخلاص نتائج البحث اعتمدنا المنهج الكمي الإحصائي ("البرنامج الإحصائي الخاص بالعلوم الاجتماعية " (Statistical "Package for the Social Sciences) والذي يرمز إليه عادة ب ( SPSS ) . وقد تم تجزءة المادة الى مداخل كل منها يمثل مداخل متباينة ، وقد تم التعامل معها احصائيا بما حوَلها الى مجموعات تتابين فيما بينها الا ان كل مجموعة لوحدها تضم عناصر متقاربة ومن ثم يصار الى استخراج نتائجها وتحليلها وتحديد دلالاتها وعلاقاتها بعضها ببعض ووضعها في إطارها الزماني والمكاني، لما يحققه هذا المنهج من نتائج أهمها: إمكانية الحصول على نتائج إحصائية دقيقة، ومن ثم محاولة مطابقة هذه النتائج الإحصائية مع المعلومات التي تقدمها المصادر التاريخية، والخروج بصورة دقيقة عن بعض مظاهر الأنشطة العلمية في مكة في القرن التاسع الهجري كما قدمها شمس الدين السخاوي.
علاقة السخاوي بمكة
يصف السخاوي مكة فيقول: وهي بلدةُ شريفةُ متسعة، فضائلها متنوعة، في بطن وادي ، يعظم بركته يتسارع اليه العباد، مُحدِقٌ بها جبال ، هي لها كالسُّور العال ، وفيها بيت الله الحرام، الذي تحطُّ به عن قاصده الاوزار والآثام ،ويأمن من المخاوف داخلهُ ،ولا تردُّ مسائله ووسائله ،وهو قبلةُ المسلمين احياءً وامواتاً ، ونحلةُ الملبيِّن جمعاً وأشتاتاً ، وقد قرأت الحديث فيه، وفي الحجر ومقام سيدنا ابراهيم الوجيه ، وبمقام الحنفية المكرَّم ، وعلى شفير زمزم المعظَّم ، وبسقاية سيدنا العباس ،وعلى جبل ابي قُبَيْسٍ بدون إلباس، وبالمكان المأثور لمولد المصطفى، وغيرها من الاماكن الزائدة فخرا وشرفا، يسّر الله العود اليها سبيلا، ونشرا على اهلها ظلاً ظليلاً.(2)
يلاحظ مما قاله السخاوي في وصف مكة مذى اهميتها بالنسبة له ،فلقد استفاد من رحلاته ومجاوراته الى مكة في كتابة التاريخ لتراجمه المكية ، فقد توجه السخاوي الى مكة لقضاء فريضة الحج ، وزيارة المدينة المنورة ، وكانت هذه اول رحلة الى الحرمين ، وكانت والدته بصحبته ، وذلك في اوائل جمادى الثانية من سنة ست وخمسين ، فمر بالطور ومنه ركب الى ينبع ،ثم الى جدة ، ولقي في هذه البلدان جمعا من اهل العلم ممن كان مجتازا واخذ عنهم ، حتى وصل مكة، ويذكر السخاوي اِفادته من هذه الرحلة فيقول:" وقرأ في غصون ذلك من الكتب الكبار والاجزاء القصار ما لم يتهيأ لغيلاه من الغرباء ولا من غيرهم في مثل هذه المدة ......على خلق كابي الفتح المَراغي ،والبرهان الزَّمْزمي ، وحافظ بلاد الحجاز التقي ابن فهد ، والزين الأَمْيوطي ، وقضاة مكة :الشافعي ابي السعادات بن ظهيرة ، والحنفي ابي حامد ابن الضياء ، والمالكي ابن الزين ، وزيادة على ثلاثين نفسا فيهم من يروي عن البهاء ابن خليل ،والكرماني، والاوزاعي، والجمال الاميوطي ، ابن ابي المجد، والتَّنوخي،والعراقي ، والهيثمي، والمجد اللغوي....وما لا احصره الان...."(3)
وبعد هذه الرحلة جاور السخاوي اربع مرات كان فيها معلما اكثر منه متعلما ، فالمجاورة الثانية كانت سنة سبعين وثمانمائة ، وكان معه فيها زوجته ووالده واخواه واولادهم، و ونزلوا بمكة في الرواق الكبير المجاور لعتبة ابراهيم على يمين الداخل(4) ، وكان ملازما بها الاقراء والتحديث، ثم سافر راجعا الى القاهرة وفي طريقه مر بالمدينة المنورة واسمع فيها اقرأ(5).