مركز الحَسُّـو للدراسات الكمية والتراثية
  • الرئيسية
  • آفاق
    • اطروحة عن الدكتور داهش >
      • الأسواق والخانات مع دراسات
      • اطروحة عن الدكتور داهش
    • الدرر اطروحة
    • حوار مع الباحثة نعم مفيد لؤلؤة
    • حوار مع الدكتورة زينب
    • مدونة مع نعريف وإصدارات
    • مدونة الدكتور ذنون الطائي
    • لورنس مع نعريف واصدارات
    • المؤتمر الأول مع المؤتمرات
    • مؤتمر الفرقان مع مؤتمرات
    • حوار مع ازهر العبيدي
    • الدكتور مع لقاءات وحوارات
    • متن مع تعريف واصدارات
    • الباحثة العمانية مع اطروحات
    • قضايا مع تعريف واصدارات
    • المؤسسات مع تعريف ونقد الكتب
    • الامير مع تعريف اصدارات
    • قضاء حيفا مع ىأطروحات
    • التحفة اللامعة معتعريف واصدارات
    • جوامع مع تعريف ونقد الكتب
    • السياسة مع اطروحات
    • الدولة الرستمية مع الاطروحات
    • اسرة الفخري مع تعريف وإصدارات
  • الهيئة
  • مواد جديدة للنقل
  • ذكرى تأسيس المركز
  • نص ما نشرته في دورية كان
  • ادارة مركز الحسو
  • الملف
    • ملف أ.د. ابراهيم خليل العلاف >
      • الدولة ربما للعلاف
      • العراق ابان الحرب ربما للعلاف
      • واقع الوثائق ربما للعلاف
      • التاريخ الاقتصادي للعلاف ربما
      • التشكيلات العسكرية للعلاف
      • هياكل صنع القرار للعلاف
      • العراق ربما للعلاف
      • ما انجزه العرب للعلاف
      • يعقوب سركيس ومباحث عراقية
      • المرحوم غربال للعلاف
      • هياكل صنع القرار
      • نازك الملائكة ملف العلاف
    • ملف أ.د. سيار كوكب الجميل >
      • د سيار الحلقات الكاملة
      • ملحق ٣ المخفي مدونة الجميل
      • قراءة نقدية - سيار الجميل - 4
      • قراءة نقدية - سيار الجميل -3
      • قراءة نقدية - ملحق - 1
      • قراءة نقدية - سيار الجميل -5
      • قراءة نقدية - سيار الجميل -2
  • تواصل معنا يستفسر من ابي ميسون
  • الرئيسية - ارشيف-190713
  • تراث مسودة
  • محمد تضغوت للتحرير
  • مشاعية التاريخ عمر جاسم
  • Untitled

مؤسسات المعلومات العراقية


في العصر الحديث


بقلم

الاستاذ الدكتور جاسم محمد جرجيس


مدير مكتبة
الإمارات
المركز الوطني للوثائق والبحوث


وزارة شؤون الرئاسة

الامارات العربية المتحدة



كلمة لا بد فيها :

عندما شرفني الأخ الدكتور عبدالجليل التميمي مؤسس الاتحاد العربي للمكتبات والمعلومات، رئيس مجلس إدارة مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات في تونس الحبيبة، بالمساهمة في الكتاب التقديري الذي تصدره المؤسسة، بمناسبة انتهاء الفترة التي قضاها الدكتور أحمد الشيخ الأمين رئيساً لإدارة الاتصال والمعلومات في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تأثرت جداً بهذه المبادرة الطيبة من لدن الدكتور التميمي ومؤسسته. وإن كان ذلك ليس بالجديد على الدكتور التميمي، بل إنه يندرج ضمن الأعمال الجليلة التي أسداها الدكتور التميمي لحقل المكتبات والمعلومات في وطننا العربي. إن اختيار الدكتور أحمد الشيخ الأمين لهذا التكريم العلمي والمهني جاء في محله وصادف أهله، للدور الرائد للدكتور الأمين في خدمة قطاع المكتبات والمعلومات في وطننا العربي. فمنذ أن عرفته ما يزيد على ثلاثة عقود وهو يعمل بصمت في إدارة الاتصال والمعلومات في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، ونظراً للكفاءة والأداء المتميز في عمله، لم تتوان إدارة المنظمة من إسناد إدارة الاتصال والمعلومات إليه. وفي عهده تمكنت هذه الإدارة الفعالة من تحريك وقيادة قطاع المعلومات في وطننا العربي، وتقديم جليل الخدمات عبر المؤتمرات التي نظمتها، وركائز العمل والكتب المتخصصة التي أصدرتها، ودوريتها المتميزة التي كانت ولا تزال لسان حال الإدارة، ومصدراً علمياً لا يستغني عنه أي باحث أو متخصص أو طالب علم في هذا المجال.

ومنذ أن كلفت من قبل الدكتور التميمي بالمساهمة في هذا الكتاب التقديري، إلا وتاقت نفسي إلى الوطن المكلوم العراق، فأردت أن أجعل من مساهمتي موضوعاً بعنوان: (مؤسسات المعلومات العراقية في العصر الحديث)، وليسمح لي القارئ الكريم أن آخذه في رحلة حنان إلى الوطن المكلوم (العراق).

إذ إن العراق هناك على مرمى حجر أو نبضة قلب، يحيط به العرب من جهاته القريبة، لكن المسافة بعيدة، والأمل على ما يبدو بعيد، العراق المسور بالحضارات قبل أن يسور بالدمار، والمنذور أبداً للأرحب، والأعز قبل أن ينذر، كما أرادت الفئة الباغية للضياع والاحتمالات الخاوية.

العراق سليل مجد عربي وإسلامي، لكن حالته الراهنة لا تتلاءم مع حجمه وعمقه وتاريخه الحافل بالمجد، وطموح أهله وتطلعات أمته، العراق قدره أن تنازعه الديكتاتوريات المتعاقبة من كل شكل؛ فأصبح رهينة سهلة للموت المجاني في مختلف أشكاله وآثاره. العراق يستحق حريته من دون هذا الثمن الباهظ. وإن كانت لمتغيرات الحياة دورات تأتي في مواقيتها، وها نحن في خضم واحدة منها، ولا مناص من خوضها ومواجهة عاتياتها، رغم أن أعاصيرها داهمتنا نحن العراقيين بكل جبروتها، لكنها ليست سوى إحدى دورات الزمن الضرورية لاستمرار نبض الحياة.

العراق الجريح أهله أحق به، وأجدر بإيجاد الحلول من أجل تجاوز واقعه المرير، والنهوض إلى مستقبل يليق به وبشعبه بعدما أصبح مطمعاً ومنهباً للمحتلين والطامعين من أمم الشرق والغرب.

من هذا المنطلق يغتالني الشعور بالشوق إليه، وها أنا أتفقد أحاسيسي ومشاعري وانفعالاتي لأتأكد أنه ما زال يسكنني وأسكنه، إذ العشق إليه يستعمر نهايات أعصابي، وبحكم عملي المهني، ومن منطلق أن الكلمات بريد القلوب ساكنة في الأفئدة مستيقظة في الأفواه نصوغها منذ نضارة الحلم والصبا، عشرات الأفكار نعيد نسجها بمعان ودلالات، أعددت هذه الدراسة التي تناولت فيها مؤسسات المعلومات العراقية في العصر الحديث، مع إشارة خاصة إلى ما حصل لتلك المؤسسات من تدمير وحرق في فترة الاحتلال الإنكلو-أميركي للعراق، في محاولة لتجريد شعب العراق من حضارته، وطمس هويته، وثقافته بوحشية فاقت كل حد.


المستخلص


تتناول الدراسة الحالية باختصار المؤسسات المعلوماتية من مكتبات بأنواعها المختلفة، ومراكز المعلومات والأرشيفات في العراق منذ تأسيس الحكم الوطني بعد الحرب العالمية الأولى، مع إشارة خاصة إلى الملامح الرئيسية لمجتمع المعلومات في هذا البلد العربي، الذي كان إلى وقت قريب يفخر بوجود قاعدة ثقافية وعلمية متقدمة، وتقاليد في البحث والتطوير في مجال العلوم. كما تتناول الدراسة الأسباب التي أدت إلى تردي واقع قطاع المعلومات في العراق، وتأخر دخول الإنترنت فيه، والمعوقات التي حالت دون الاستخدام الأمثل لتقنيات المعلومات والاتصالات، وعدم التوظيف الفعال للإنترنت في العراق.

كما تستعرض الدراسة ما تعرضت له المؤسسات المعلوماتية بعد سقوط النظام السابق في العراق عام 2003م، على يد قوات الاحتلال، وما قامت به الفئات الغوغائية الضالة من نهب وحرق للمؤسسات العلمية والثقافية، سعياً لمحو ذاكرة العراق التاريخية والثقافية، إذ حرقت آلاف المجلدات من كتب ودوريات، ومخطوطات في مراكز الأبحاث والمكتبات بأنواعها المختلفة، وحرق أرشيف الدولة العراقية بمقتنياته ووثائقه، وتسعى الدراسة إلى استعراض الجهود المبذولة للنهوض بواقع قطاع المكتبات والمعلومات في العراق. وتختتم الدراسة بالدعوة إلى تأسيس هيئة وطنية للمعلومات تتولى قيادة وتوجيه مراكز التوثيق والمعلومات والوثائق، والمكتبات، وتأمين وسائل النهوض بقطاع المكتبات والمعلومات، واتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة العراق إلى مواكبة التطورات والمستجدات العالمية في هذا القطاع الحيوي الهام؛ ليأخذ دوره الحضاري كبقية الأمم والأقطار.

حال مؤسسات المعلومات في العصر الحديث

عرف العراق بتاريخه الحافل المديد، الذي ابتدأ بفجر حياة الإنسان، وتعاقبت فيه الأمم والدول آلاف السنين، كان في جملة من عصوره، مناراً تهتدي بهديه الأمم، ودليلاً أميناً تتعقب خطاه في مضمار الرقي والعمران. وكان من أرقى مظاهر رقيه في معارج المدنية، عنايته بالمكتبات، التي نشأت وتطورت في وادي الرافدين عبر العصور السومرية، والبابلية، والآشورية. واشتهرت مكتبات عراقية كثيرة لعل أبرزها مكتبة لكش، ونبور، وسيبار[1].

وفي العصر العربي الإسلامي عندما أصبحت بغداد عاصمة الدولة العربية الإسلامية، وكانت مركز الصدارة، والإشعاع الفكري، والثقافي، والحضاري، نشأت فيها خزائن الكتب القديمة. تلك الخزائن، كان بعضها في القصور الملكية، أو الجوامع، أو المساجد، أو المدارس، أو البيوت الخاصة. ويمكن تقسيم تلك الخزائن إلى نوعين[2]:

الأول: الخزائن العامة: وهي التي يباح للجميع الرجوع للجميع كتبها، أو النقل منها، كالخزائن في المدارس، والديارات، والجوامع، والمساجد، ودور العلم الأخرى، ولعل أشهر المكتبات التي شهدتها بغداد في عصرها الذهبي: مكتبة بيت الحكمة، ومكتبة المدرسة النظامية، ودار العلم، ومكتبة المدرسة المستنصرية.

الثاني: الخزائن الخاصة: وهي التي كان يُعنى بجمعها أفراد من الناس، رغبة منهم في العلم، أو التشجيع على طلبه، وذلك كخزائن كتب الخلفاء، والأمراء، والوزراء، والعلماء، وغيرهم من الناس.

وبسقوط بغداد على يد هولاكو عام 656هـ/1258م، تعرضت الكتب لكوارث كثيرة منها الإحراق بالنار، والإغراق بالماء، والوأد، والغسيل والمسح. إن ما فعله جيش هولاكو الوثني تسبب في دخول العراق قروناً عجافاً من الظلام والتخلف انعكس على مجالات الحياة كافة.

وفي مطلع القرن العشرين، تم تأسيس أول مكتبة في العراق عام 1920م سميت بمكتبة (دار السلام)[3]، يمكن اعتبارها بداية الاهتمام بالمكتبات في العصر الحديث، إذ جاء تأسيس العديد من هذه المكتبات فيما بعد. وقد تزامن التطور الحاصل في قطاع المكتبات مع التطورات الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية بصورة عامة، وفي قطاع التربية والتعليم بصورة خاصة.

وحازت المكتبات في العراق اهتمام الدولة في العصر الحديث، وذلك إيماناً منها بالدور الهام الذي تلعبه المكتبات في تطور المجتمع وتقدمه، وتزامن إنشاء أول مكتبة عامة مع بداية الحكم الوطني في العراق عام 1920م، وقد ازداد عدد المكتبات العامة ليصل إلى (19) مكتبة في عام 1946م، ثم إلى (45) مكتبة عام 1957م، وإلى (100) مكتبة بعد عام 1968م[4]. وتضاعف العدد في مطلع الألفية الثالثة.

وشهدت المكتبات العامة تطوراً نوعياً ملموساً بعد ثورة 14 تموز 1958م، إذ زاد الاهتمام بتوفير الأطر البشرية للنهوض بها عن طريق رفد هذه المكتبات بالمتخصصين، وإقامة الدورات التدريبية لتأهيل العاملين فيها من غير المتخصصين، وكذلك تم تزويد المكتبات العامة بالعديد من الكتب والمواد الثقافية.

وفي مجال المكتبات المدرسية في التعليم العام، تم تأسيس مكتبات في معظم المدارس، وفي مراحل التعليم المختلفة. إلا أن الملاحظ أن الكثير من هذه المكتبات لم تنظم على أسس علمية، وأن القائمين عليها في الغالب لم يؤهلوا التأهيل المطلوب. كما أنها من ناحية الكم لم تكن كافية. وفي عام 1974م صدر نظام المكتبات المدرسية رقم (54) الذي أكد ضرورة إيجاد مكتبة في كل مدرسة في المراحل الدراسية المختلفة، تزود بالكتب والدوريات والوسائل التعليمية. وشهدت المكتبات المدرسية بعد صدور هذا النظام عملية نهوض، وعمدت وزارتا التربية والحكم المحلي إلى رفد المكتبات المدرسية بالكتب في جميع المجالات التي تسهم في عملية التربية الحديثة. وأقيم أيضاً العديد من الدورات التدريبية لتأهيل الأطر المكتبية العاملة في المكتبات المدرسية.

أما في مجال المكتبات الأكاديمية والتي يرتبط تأسيسها مع بدايات التعليم الجامعي في العراق، الذي يرجع إلى أوائل القرن العشرين، تم تأسيس أول مدرسة للحقوق عام 1908م، ثم دار المعلمين العالية التي جاء تأسيسها عام 1922م، وتبعها إنشاء العديد من المكتبات وصولاً إلى عام 1958م، الذي شهد مولد جامعة بغداد كأول جامعة في العراق في العصر الحديث. وقد رافق تأسيس هذه الجامعات والتي بلغ عددها في الوقت الحاضر 32 جــامعة منتشرة في العاصمة بغداد وعموم المحافظات إنشاء مكتبات لتحقيق الأهداف التي تسعى إليها كل جامعة [5].

وفي الأعوام الأخيرة، نلاحظ ارتفاعاً ملموساً في أعداد المكتبات المتخصصة؛ نتيجة استحداث أقسام البحوث والدراسات في وزارات ومؤسسات الدولة، رغم أن الكثير من هذه المكتبات لا زالت تستخدم الأساليب التقليدية في تعاملها مع أوعية المعلومات. إلا أن هناك بعض المؤسسات ولاسيما في قطاع الصناعة أخذت تستخدم تقنيات المعلومات في تسيير أعمالها، ما يبرز مدى شعور المسؤولين بأهمية المعلومات، وضرورة تنظيمها للتغلب على مشاكلها في: الجمع، والخزن، والاسترجاع، والإفادة منها في مشاريعهم العلمية والإدارية.

أما فيما يخص المكتبة الوطنية الحالية والتي تم تأسيسها بموجب القانون رقم (51) لعام 1961م فهي تمثل امتداداً لأول مكتبة عامة أسست عام 1920م، والتي سميت مكتبة (السلام)؛ تيمناً ببغداد دار السلام. استهدفت المكتبة الوطنية حفظ وجمع التراث العراقي، وارتبطت في بداية تأسيسها بوزارة المعارف، وألحقت بوزارة الإعلام بموجب القانون رقم (43) لعام 1964م [6].

وفي عام 1972م شيدت بناية حديثة للمكتبة تزيد مساحتها على عشرة آلاف متر مربع في وسط بغداد، استوفت كل مستلزمات الحاضر وتطورات المستقبل، إذ صممت لتستوعب نمو المكتبة على مدى عشرين عاماً اعتباراً من تاريخ تشييدها. تم افتتاح المبنى الجديد في عام 1977م، وقد قامت المكتبة الوطنية بجمع وحفظ المطبوعات، والمواد الثقافية بأشكالها المختلفة التي صدرت في العراق. وقد قامت بإصدار الببليوغرافية الوطنية العراقية، إضافة إلى قيامها بتبادل المطبوعات مع العديد من المكتبات والمؤسسات المعنية على الصعيدين العربي، والدولي.

تضم مجموعة المكتبة الوطنية أنواع المعارف والعلوم يحكمها قانون الإيداع الذي يلزم دور النشر الرسمية والخاصة، والأشخاص بإيداع نتاجاتهم الفكرية في المكتبة، ولقد نمت مجموعة المكتبة نمواً واضحاً عبر مراحل تطورها، فبعدما كانت تضم (217,000) مطبوعاً في عام 1988م، أصبحت تضم في عام 1991م (523,534) مطبوعاً، ليصل العدد في عام 2000م إلى (1,040,564) مطبوعاً في  مختلف الموضوعات والأشكال واللغات. كما تودع في المكتبة الوطنية أيضاً رسائل الماجستير، وأطروحات الدكتوراه العراقية، وهذه يتم تسجيلها وفق رقم إيداع خاص بها [7].

وتضم المكتبة ضمن مجموعتها مكتبات شخصية، كان قد أهداها أصحابها (رحمهم الله جميعاً) إلى المكتبة، مثل مكتبات الأستاذ أحمد حامد الشربتي، والأستاذ جمال الدين الألوسي، والأستاذ عبدالرزاق الحسني، والدكتور كمال السامرائي، والأستاذ موفق خضر، والأستاذ عبدالرحمن التكريتي، ويبلغ العدد الكلي لهذه المكتبات نحو (38,067) كتاباً ودوريـــــة، وقد تم وضع كل منها في جناح خاص حمل اسم صاحبها [8].

وفي مجال الوثائق، تم تأسيس المركز الوطني للوثائق بالقانون رقم (142) لعام 1963م، الذي استهدف الحفاظ على الوثائق الرسمية الموجودة في الدوائر الرسمية وشبه الرسمية، ووثائق المصالح الاقتصادية، والتجارية، والصناعية، والثقافية، والوثائق الشخصية إن أمكن الحصول عليها وذلك بواسطة جمعها وتنظيمها، وتقييمها وتصنيفها، وحفظها وصيانتها. إضافة إلى القيام بالبحوث والدراسات الوثائقية، وتيسير الإطلاع على المصادر الوثائقية الوطنية والقومية، وإصدار المطبوعات ذات الصلة بالعمل الوثائقي[9]. مارس المركز عمله عام 1964م تديره هيئة مستقلة مرتبطة بمجلس الوزراء، ليرتبط بعدها بجامعة بغداد على مدى خمس سنوات. ألحق المركز بعد انتهاء تلك المدة بوزارة الثقافة والإعلام (الثقافة حالياً) بموجب القانون رقم (55) لعام 1969م. وفي بداية السبعينيات من القرن العشرين بذلت جهود كبيرة في المجال المهني في قطاع الوثائق؛ إذ انضم العراق إلى المجلس الدولي للأرشيف، واتخذت بغداد مقراً دائماً للأمانة العامة للفرع، وتم تأسيس معهد الوثائقيين العرب في بغداد عام 1978م.

وفي عام 1986م أصدرت وزارة الثقافة والإعلام قراراً بدمج المركز الوطني للوثائق، والمكتبة الوطنية في دائرة واحدة أطلق عليها (دار الكتب والوثائق)[10] التي أصبحت تتولى مهام المكتبة والمركز، سواء في تقديم الخدمات المكتبية والوثائقية للمواطنين، أو في رعاية تخزينها من المطبوعات والوثائق.

وفي مجال التوثيق، ونتيجة لشعور المسؤولين بأهمية المعلومات، وخاصة في قطاعي العلوم البحتة والتطبيقية، والدور الذي يمكن أن تؤديه في تحقيق التقدم العلمي والحضاري للقطر. فقد تم عام 1972 إنشاء مركز التوثيق العلمي في مؤسسة البحث العلمي والتي أصبحت فيما بعد مجلس البحث العلمي، والذي يهدف إلى جمع وتحليل وخزن الإنتاج العلمي العراقي، والعربي، والعالمي، ونشر المعلومات عنه، وتسهيل سبل استرجاعه لخدمة الباحثين، وإعداد الببليوجرافيات، والفهارس، والكشافات، بما يؤمن سرعة الرجوع إليها، والقيام بخدمات الإعلام العلمي؛ لتعريف العلماء والباحثين بما يستجد في مجالات العلوم المختلفة قطرياً، وعربياً، وعالمياً، إضافة إلى قيامه بتنظيم عمليات توزيع الإنتاج العلمي في المجلس[11].

وقد ألغي مركز التوثيق العلمي مع بقية مراكز البحوث المنضوية تحت مظلة مجلس البحث العلمي عند صدور قرار بإلغاء مجلس البحث العلمي العراقي في أواخر 1989م.

أما في مجال التأهيل الأكاديمي في اختصاص علم المكتبات والمعلومات، فقد ابتدأ عام 1954، عندما بدأت منظمة اليونسكو إرسال خبراء في مجال المكتبات إلى العراق لتنظيم دورات تدريبية وتأهيلية قصيرة المدى للعاملين في حقل المكتبات.  وكانت أولى هذه الدورات قد نظمت في كلية الآداب والعلوم التي أصبحت لاحقاً تابعة لجامعة بغداد من قبل خبير اليونسكو البريطاني سوندرس Saunders، وشارك فيها مجموعة من العاملين في مكتبات الكليات.  وفي العام الدراسي 1957 – 1958 نظم الأسترالي بوني  Bonny ثلاث دورات تدريبية للعاملين في المكتبات المدرسية والعامة، ومكتبات الكليات.  تلقى المشاركون في تلك الدورات التدريبية الثلاث التي استغرق كل منها شهراً واحداً محاضرات في اختيار الكتب، والعمليات الفنية من فهرسة وتصنيف، والتخطيط المكتبي، والأثاث والتجهيزات والتجليد، والخدمات المرجعية [12].

وفي عام 1970م بادرت كلية الآداب في الجامعة المستنصرية بفتح فرع المكتبات، يمنح شهادة الدبلوم المتوسط في علم المكتبات، يقبل فيه خريجو الدراسة الثانوية، ومدة الدراسة  فيه سنتان.  وفي العام الأكاديمي 1979 – م1980 تطورت الدراسة في هذا الفرع ليصبح قسماً، وتقرر في حينه قبول الثلث من المتفوقين الأوائل من خريجي الدبلوم المتوسط في الصف الثالث لاستكمال مرحلة البكالوريوس.

وفي عام 1972م استحدثت جامعة بغداد (المعهد العالي لعلم المكتبات والتوثيق)، وقبل ذلك المعهد المتقدمين إليه من حملة البكالوريوس، ومن تخصصات علمية وإنسانية متعددة للدراسة على مدى عام كامل. 

اشتمل البرنامج الأكاديمي على ( 36 ) ساعة.  واشتملت المقررات الدراسية على ست مواد في كل فصل دراسي.  فكانت مواد الفصل الأول كما يأتي : الفهرسة والتصنيف، والمراجع ، واختيار الكتب ، و الإدارة  المكتبية، والكتب والمكتبات ، والتوثيق.

أما مواد الفصل الثاني فهي: الفهرسة والتصنيف والمراجع، والببلوغرافية، والادارة المكتبية، والكتب والمكتبة، والتوثيق [13]. واستمر هذا المعهد حتى عام م1977، ثم تم نقله إلى قسم المكتبات في الجامعة المستنصرية، ومارس مهامه هناك حتى عام 1982م، ثم ألغي كلياً بقرار إلغاء برامج الدبلوم العالي في  جامعات العراق كافة.

 وفي نهاية عام 1977م تأسس (معهد الوثائقيين العرب) بقسميه الصباحي، والمسائي، إذ تم قبول (120) طالباً عربياً وعراقياً، واتخذ بغداد مقراً له، ويعد تأسيس هذا المعهد تتويجاً لجهود الفرع الإقليمي العربي للمجلس الدولي للوثائق، الذي طالب بضرورة تنظيم دراسات للوثائق على نطاق الوطن العربي، منذ مؤتمره التأسيسي، الذي انعقد في روما عام 1972م[14] . واستمر العمل في المعهد إلى عام 1983م حتى صدور القرار رقم (640) لعام 1983م، والقاضي بإلغاء المعهد وتحويله الى قسم علمي يتبع معهد الإدارة في الرصافة التابع لهيئة المعاهد الفنية.

 وفي عام 1980م تم استحداث قسم المكتبات في المعهد الفني الموصل (محافظة نينوى)، وتم أيضاً افتتاح قسم للمكتبات في معهد الإدارة التقني ببغداد في عام 1987م.

وفي عام 1983م تم تأسيس قسم المكتبات والمعلومات في كلية الآداب في جامعة البصرة.  ثم في عام 1995م أسس قسم المكتبات والمعلومات بكلية الآداب بجامعة الموصل وكلا القسمين في جامعة البصرة وفي جامعة الموصل أتيح لخريجي الثانوية الدراسة فيهما على مدى أربع سنوات هي مدة الدراسة، يمنح الخريج بعدها شهادة البكالوريوس في علم المكتبات والمعلومات.  وكلا القسمين يدرسان المقررات نفسها التي تدرس في قسم المكتبات في الجامعة المستنصرية [15].  وتعد هذه الأقسام الثلاثة من الأقسام المتناظرة في الجامعات العراقية.

في عام 1986م تم استحداث برنامج الماجستير في علم المكتبات والمعلومات في قسم المكتبات والمعلومات في كلية الآداب في الجامعة المستنصرية.  مدة الدراسة سنتان يقبل في هذا البرنامج حملة شهادة البكالوريوس في علم المكتبات.

في العام الأكاديمي 1992 – 1993م تم استحداث برنامج الدكتوراه في علم المكتبات والمعلومات في قسم المكتبات والمعلومات في كلية الآداب في الجامعة المستنصرية؛ لإتاحة الدراسة فيه لحملة الماجستير في التخصص، مدة الدراسة ثلاث سنوات تبدأ بالسنة التحضيرية بفصلين، متبوعة بالامتحان الشامل، ومن ثم يطلب من الطالب إعداد أطروحة الدكتوراه.

مما تقدم، نلاحظ ضعف الاهتمام ببرامج التأهيل الأكاديمي في مجال المكتبات والمعلومات في الجامعات والمعاهد العراقية، فمن مجموع (32) جامعة عراقية توجد ثلاث أقسام علمية فقط في تخصص المعلومات والمكتبات، واحد منها فقط يمنح شهادة الدكتوراه، ومتوسط عدد الخرجين السنوي لهذه الأقسام مجتمعة يبلغ (80) طالباً نصفهم تقريباً لا يفضلون العمل في مؤسسات المكتبات والمعلومات، وهذا العدد لا يتناسب مع حجم المكتبات الأكاديمية الموجودة. من جانب أخر فان أقسام المعلومات والمكتبات العراقية ارتبطت جميعها بكليات الآداب التي يغلب على تخصصاتها الطابع الإنساني الأدبي، الأمر الذي أعاق تطور تلك الأقسام باتجاه تدريس التقنيات الحديثة لاسيما الحواسيب وملحقاتها، وتطبيقاتها، وشبكاتها، والتي شاع استخدامها في العمل المكتبي، فمعظم الطلبة الملتحقين بهذه الأقسام هم من خرجي الفروع الأدبية، وبالتالي تقبلهم يكون ضعيفاً للمواد الدراسية العلمية[16]. 


مؤسسات المعلومات العراقية في ظل الاحتلال تحت المجهر الأكاديمي


منذ الاحتلال الأنكلو-أميركي للعراق عام 2003م أخذ الغزو الأجنبي للعراق أبعاداً جد خطيرة، فإلى جانب تدمير البنية التحتية، تفاقم الوضع ليطال المكتسبات الحضارية والثقافية، إذ في ظل "الفوضى العارمة" التي رافقت الاحتلال، امتدت الأيادي المدسوسة لنهب المخطوطات والكتب الثمينة والنادرة من: مكتبات الجامعات العراقية، ودار الكتب والوثائق، ومكتبة المجمع العلمي العراقي، ومكتبة الأوقاف. وتعرض أيضاً العديد من مكتبات المدارس إلى عمليات مشابهة. أما مكتبات الوزارات فقد قضى الحريق عليها جميعاً عدا مكتبتي وزارتي النفط والداخلية [17].  فقد تم إحراق مكتبات: وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، والدفاع، والخارجية، والتربية، والأوقاف، والمواصلات، والزراعة، والتصنيع العسكري، والري والصناعة، ومنظمة الطاقة الذرية، ونهبت كافة محتويات مكتبتي (بيت الحكمة)، والمتحف العراقي، أما مكتبات الجامعات والكليات والمعاهد فجزء منها قضى عليه الحريق، وجزء سرقت محتوياته، والجزء الثالث نهبت منه أهم محتوياته [18].

إن عمليات الحرق والإتلاف والسرقة امتدت أيضاً لتشمل المتاحف، والجامعات، ومراكز البحث العلمي والمؤسسات الثقافية؛ إذ أتلفت الوثائق الأرشيفية الجارية والتاريخية، وقواعد البيانات العراقية، وهو ما يعدّ خسارة فادحة يصعب تقديرها؛ إذ معها تفقد الحضارة الإنسانية جزءاً ثميناً من ذاكرتها ومن رصيدها التاريخي والفكري[19].

في الصفحات التالية من هذه الدراسة لن نستطيع أن نتناول كل ما حدث في السنوا ت الأولى من الاحتلال من تدمير وحرق للمؤسسات المعلوماتية العراقية في محاولة لتجريد الشعب العراقي من حضارته، وطمس هويته وثقافته بوحشية فاقت كل حد. وإنما سنعرض ما حصل لدار الكتب والوثائق العراقية فقط، إن ما تعرضت له هذه الدار من حرق ونهب وتدمير يعد أنموذجاً لما تعرضت له العديد من المؤسسات المعلوماتية العراقية، وإننا إذ نكتفي بهذه الدراسة بوصف ما حدث لهذه الدار.

نوجه عناية القارئ الكريم إلى أن هناك العديد من المواقع والروابط الإلكترونية وثقت ما حدث للمكتبات ومراكز المعلومات العراقية من حرق وتدمير، وما آلت إليه تلك المكتبات بعد الاحتلال في عام 2003م. وفيما يلي مشاهد مما تعرضت له دار الكتب والوثائق العراقية على يد الغوغاء، وتحت أنظار قوات الاحتلال، وبحضور فضائيات عربية وأجنبية وثقت وبشكل دقيق ما أصاب هذه الدار من أضرار.

دار الكتب والوثائق

تلعب دار الكتب والوثائق دوراً مهماً في خدمة الحياة الثقافية والفكرية، والعلمية، وذلك لجمعها وحفظها للإنتاج الفكري العراقي، والوثائق الرسمية، وشبه الرسمية، والأوراق الشخصية التي تشكل بمجموعها مصدراً أساسياً لمختلف المعلومات المتعلقة بتطور الحياة السياسية، والاجتماعية، والفكرية، والاقتصادية، والثقافية، منذ تشكيل الدولة العراقية بعد الحرب العالمية الأولى[20].

تعرضت الدار بعد سقوط النظام السابق في العراق في نيسان 2003م إلى حريقين كبيرين[21]، الأول في 10 نيسان أي بعد يوم واحد من احتلال بغداد، والثاني في 14 نيسان بهدف استكمال عملية تدمير الدار وإتلاف ما لم يطله الحريق الأول. رافقت هذين الحريقين أعمال تدمير وتخريب وحشية من قبل العصابات التي دخلت مع المحتلين، وبمساعدة بعض من ضعاف النفوس من العراقيين من الداخل، صاحب كل هذا أعمال سلب ونهب وسرقة للوثائق المهمة، والكتب النادرة والثمينة.

وذكرت جريدة (الصباح الجديد) أن الدوافع الحقيقية وراء هذه الأعمال الهمجية كان تدمير الذاكرة العراقية بشكل متعمد ومقصود لدار فتحت أبوابها أمام جهات خارجية تطمح للانتقام من التاريخ العراقي، وجهات داخلية ممثلة في الجهلاء الطامعين في حفنة من الدولارات أو الدنانير لقاء بيعهم هذه الكتب والوثائق التاريخية، أو نهبها من قبل جهات تدعي الرسمية بانضوائها في مظلة الأحزاب والجمعيات، فضلاً عن بعض الأفراد الذين سعوا لإعمار مكتباتهم الشخصية بخراب المكتبة الوطنية، التي تكفل حق الجميع في مطالعتها، وحفظ وثائق الشعب، والحكومة فيها على مر التاريخ[22]. وللإطلاع على ما حدث في يومي العاشر والرابع عشر من نيسان نقتطف وصف مشاهد الحريقين كما رواها شهود العيان لجريدة (المدى الثقافية.).

يروي أحد شهود العيان ما حدث لدار الكتب والوثائق في حريقها الأول إذ يقول: "بعد سماعنا من وكالات الأنباء عن تعرض المكتبة الوطنية للحرق يوم 10/4/م2003 هرعت بصحبة عدد من الأصدقاء في صباح اليوم التالي إلى مكان الحادث، رأينا على مسافة بعيدة منا الأدخنة السوداء تتدفق بسحب كبيرة من النوافذ وفتحات أبواب الطابق الثاني، الذي يضم الوثائق ومختلف الأجهزة، ومعدات الميكروفيلم، ولم تثمر محاولاتنا لإنقاذ شيء في القاعة الكبيرة، ونحن نقف أمام أكوام رماد الوثائق، وركام الأجهزة التي احترقت تماماً، والأخرى كانت ذائبة مثل معدات الميكروفيلم، كانت الخسائر كبيرة، والنيران لم تدع أي شيء إلا أتت عليه بما فيه الأثاث والأبواب، والخزائن والرفوف؛ ليتضح تعمد التخريب وتنفيذ الجريمة بدقة"[23].

لقد نجم عن الحريقين اللذين تعرضت لهما الدار وغيرهما من أعمال تخريبية مقصودة خسائ
- مركز الحسو للدراسات الكمية والتراثية - حقوق الطبع والنشر محفوظة 2011