الدكتور فاضل بيات في كتابه الجديد
المؤسسات التعليمية في المشرق العربي العثماني
بقلم : نجات كوثر اوغلو
صدر عن مركز الابحاث للتاريخ والفنون والثقافة الاسلامية في استانبول "إرسيكا" في حزيران 2013م كتاب موسوعي تحت عنوان (المؤسسات التعليمية في المشرق العربي العثماني) في 868 صفحة من الحجم البطال 24سم، والمجلد بتجليد فني فاخر. من تاليف الباحث الاكاديمي المعروف و الخبير بالتاريخ العثماني وباللغة والمصطلحات والتراكيب اللغوية العثمانية الاستاذ الدكتور فاضل بيات. والذي قدم له الدكتور خالد ارن مدير عام إرسيكا.ـ
وبعد تعريف الكتاب من قبل المؤلف ذكر فيه اهم المصادر الاساسية للكتاب والتي اعتمد عليها في اعداد هذه السفر القيم. وقسم المؤلف موسوعته العلمية الاكاديمية الى ثلاثة عشر فصلاً.ـ
جاء في الفصل الاول: الملامح العامة للتعليم في الدولة العثمانية، وفي الفصل الثاني: ادارة المؤسسات التعليمية في الولايات، والفصل الثالث: مدارس الصبيان والمدارس الابتدائية، وفي الفصل الرابع: المدارس الرشدية، والفصل الخامس: المدارس الاعدادية، والفصل السادس:المدارس السلطانية، والفصل السابع: مؤسسات التعليم المهني، والفصل الثامن: مؤسسات التعليم العالي، والفصل التاسع: المدارس العسكرية ومدارس الشرطة، والفصل العاشر المدارس التقليدية الاسلامية، والفصل الحادي عشر: المدارس الخاصة غير الرسمية للمسلمين، والفصل الثاني عشر: مدارس الطوائف غير الاسلامية، وجاء في الفصل الثالث عشر: المدارس الاجنبية.ـ
وبعدها ذكر المؤلف قائمة المصادر والمراجع والملاحق وعرض بعضاً من الوثائق والصور التي لها علاقة بموضوع البحث وختم الموسوعة بكشاف تفصيلي عام.ـ
تناولت الموسوعة المؤسسات التعليمية في العهد العثماني في ولايات سورية وحلب وبيروت وبغداد والموصل والبصرة والحجاز واليمن وألوية القدس والزور والمدينة المنورة والعسير والكويت. ولم يكتفِ المؤلف في ذكر المؤسسات التعليمية في مراكز ايالات، بل تطرق بالتفصيل الى المؤسسات التعليمية الموجودة في الالوية (السناجق) والاقضية التابعة لكل لواء بالتفصيل.ـ
نفهم من محتويات الكتاب ومفرداته، مدى كثرة وغزارة المادة العلمية التي تضمنتها في عرض حقيقة دور الدولة العثمانية في اهتمامه لمجال التعليم بالنهج العلمي والاكاديمي. حيث قدم المؤلف للقراء والباحثين موضوع بكر لم يتطرق اليه احد من قبل والذي تفتقر اليه المكتبات العربية بشكل عام في مجال التعليم في البلدان العربية. وتعتبر هذه الموسوعة كتابا جديداً في مادته، ومصادره الارشيفية والوثائق التي تم كشفه والتي تحفل عنه الكتاب والبحاثه الذين اصدروا هنا وهناك في البلاد العربية بين الحين والاخر، كتباً في موضوع تاريخ التعليم (عربية او افرنجية) لم يكشفوا عن نواح عديدة من جوانب الحياة التعليمية في الدولة العثمانية، ولم يتم تناوله بالشكل المطلوب في سرد وكشف الواقع الحقيقي لتاريخ التعليم والمؤسسات التعليمية في الولايات العربية في العهد العثماني.ـ
مما ادى الى شيوع فكرة خاطئة غير صحيحة لدى عامة الناس والقراء خاصة عن هذا الموضوع (وهي ان الدولة العثمانية لم تبذل الجهود اللازمة لتعليم ابناء الاهالي ونشر المؤسسات التعليمية في البلاد العربية، وحملوا مسؤولية الجهل والتخلف الذي لحق بهم الى الدولة العثمانية واطلقوا على تلك الفترة بـ العصور المظلمة)!. وسببها الحقيقي عدم وصول الكتاب والباحثين العرب للوثائق العثمانية والمصادر المهمة في هذا المجال.ـ
لذا على الكتاب والباحثين الذين اصدروا مصنفاتهم في هذا الموضوع، مراجعته واضافة تعليقات واستدراكات وتصحيحات في نصوص كتبهم على ضوء هذه الموسوعة والوثائق الهائلة الموجودة في خزانات الارشيف العثمانية في استانبول ، وبذل المستطاع في تزايد الجهود للحصول على تلك الوثائق وتوثيق المعرفة بالماضي القريب والبعيد لمعرفة الحقائق التاريخية بصورة كاملة.ـ
ابدع المؤلف في اعداد موسوعته القيمه والتي تعتبر من بين المصادر العربية اليد الاولى في موضوعه، والذي لم يتطرق اليه احد من قبل. انه جهد اعصب ما يكون، لم يتحقق الابشق الانفس. قام المؤلف بمهمته العلمية هذه منفرداً، إذ كان من المفترض ان يقوم به لجنة من فريق عمل.ـ
وقال عنه الدكتور خالد ارن مدير عام إريسكا في مقدمته: "وتكمن اهمية هذا السفر الجليل في انه اول كتاب من نوعه، ويُعَدُّ بالاستعانة بوثائق الارشيف العثماني ولاسيما وثائق وزارتي المعارف والداخلية العثمانيتين، بل يعد موسوعة شاملة سعى مؤلفه الاستاذ الدكتور فاضل بيات الخبير في مركزنا الى تناول المؤسسات التعليمية الحديثة التي اقيمت في العهد العثماني في ولايات سورية وحلب وبيروت وبغداد والموصل والبصرة والحجاز واليمن وألوية القدس والزور والمدينة المنورة وعسير، وهو عمل لا يمكن انجازه بجهود فردية بل يفترض ان يقوم به فريق عمل، الا ان مؤلفه اضطلع بهذه المهمةمنفرداً، بل وابدع في اخراجه بهذه الحلة، ولهذا لا يسعني هنا الا ان اشد على يده لأهنئه.".ـ
وذكر المؤلف:"عندما شرعت بعملية جمع المواد المتعلقة بموضوع الكتاب الذي خططت له قبل عشرات السنين".ـ
كنت أتوقع ان هذه العملية لن تأخذ مني إلا بضعة أشهر، لان ما رسّخ في اذهاننا، نحن القراء والباحثين، هو ان هذا الموضوع "ليس فيه ما يستوجب التوقف عنده كثيراً، لان الدولة العثمانية تأخرت كثيراً في مجال التعليم، وان ما فتحته من مؤسسات تعليمية لا يتعدى بضعة مدارس توزعت هنا وهناك في مراكز الولايات والألوية. وأنها لم تفتح ابواب هذه المدارس الا لنخبة من الرعايا، وبقيت الاغلبية الساحقة منهم محرومة من نعمة التعليم".ـ
الامر الذي كنت اعتقد ان مصادري العثمانية تكون محدودة ومعددة لا تتجاوز سالنامات الولايات والمعارف وبضعة وثائق أرشيفية.ـ
ولكن ما أن باشرت بالبحث عن الوثائق المتعلقة بالموضوع في مركز الارشيف العثماني في استانبول اصبت بالذهول والاندهاش عندما وجدت نفسي امام كم هائل من الوثائق وهي بعشرات الالاف، بل مئات الالاف، وهي حافلة بمعلومات فريدة من نوعها يعجز الانسان الاحاطة بها لكثرتها وتنوعها.ـ
حيث توصل المؤلف الى نتائج، تظهر الفرق عن ماهو مشاع عن دور الدولة العثمانية في مجال التعليم، وبعمله هذا قدم للقراء والباحثين معلومات قيمة ومحققة اكاديمياً حول المؤسسات التعليمية في بلدان المشرق العربي العثماني، معتمداً على المصادر والوثائق الارشيفية، وفي مقدمتها سالنامات وزارة المعارف العامة (سالنامة نظارت معارف عموميه سى) وتعتبر من اهم السالنامات المتخصصة، وهي ترسم المعالم العامة للمعارف بشكل عام في الدولة العثمانية.ـ
ولذا اصبحت مصدراً تاريخياً لا يمكن تجاهله عند دراسة تاريخ التعليم في الدولة العثمانية، واهتمت بالمدارس التي انشأتها الدولة او الجهات الاخرى، واحتفظت بأسماء الكثير من المربين الذين لهم الفضل في نشر التعليم بين الاهالي. ولهذا اعتبر مصدراً لا غنى عنه للذين يدرسون تاريخ المعارف والثقافة في الدولة العثمانية بكل ارجائها.ـ
وفضلاً عن سالنامة المعارف، اعتمد المؤلف على ثلاثة أدلة احصائية عن التعليم في الدولة العثمانية.ـ
وكذلك اعتمد المؤلف على وثائق الارشيف العثماني غير المنشورة والمحفوظة في مراكز الارشيف العثماني باستانبول والتابع لرئاسة الوزراء التركية، وتحمل رموز عديدة وغير مصنفة.ـ
وبجانب تلك الوثائق، استعان المؤلف بسالنامات الولايات وبأجزائها المختلفة التي صدرت في تواريخ مختلفة، وبنتيجة هذه الابحاث الصعبة والمرهقة، تمكن المؤلف تقديم الكثير من المعلومات المتوافرة في الارشيف العثماني في متناول الباحثين والقراء العرب، وسعى جاهداً الى كشف الحقائق غير المعروفة والجوانب المجهولة من تاريخ التعليم في البلدان العربية في العهد العثماني بنهج اكاديمي وعلمي. ولولا عشق المؤلف الباحث للوثائق والتفقه بادبياتها وجذورها والمامه الكامل باللغتين العربية والعثمانية ومعرفته بفن الترجمة بصورة متكاملة لما استطاع بفك الرموز الغامضة، وقراءة تلك الوثائق قراءة صحيحة وابداعه في ترجمته الى اللغة العربية بشكل متكامل وابدع في اخراجه بهذه الحلة. وتمكن بأداء مهمته الصعبة بكفاءة عالية جداً.ـ
ومما زاد اهمية الموسوعة، الحاق المؤلف في اخر الكتاب صورا نادرة لها علاقة بموضوع البحث وجداول ونماذج من شهادة مدارس وصور للهيئة التعليمية والطلاب لمراحل مختلفة من المدارس وصور ابنية المدارس. وبجانب هذا قام بعمل الكشاف التفصيلي العام، وجاء فيه كل ما يخص التعليم بشكل مباشر من اماكن ومن مؤسسات تعليمية واعلام ومصطلحات، ليتيسر على الباحثين والقراء الرجوع اليه عند اعداد دراستهم في هذا الموضوع.ـ
يعد هذا السفر القيم تحفة نادرة المثال للجهد الكبير الذي بذله الاستاذ الدكتور فاضل بيات وهنا لا يسعنا الا ان نبارك جهده القيم والمفيد والمتقن. ويستحق التقدير الكبير لتوليه بمفرده هذا العمل الموسوعي الكبير، واغنائه المكتبة التاريخية العربية باحتوائه معلومات بحثية يستفيد منها الباحثون والقراء معاً.ـ
عودة الى صفحة تراثيات