مركز الحسـو للدراسات الكمية والتراثية
  • الرئيسية
  • منهجيات
  • دراسات كمية
  • دراسات
  • مقالات
  • ملفات
  • اصدارات واطروحات
  • مخطوطات
  • أخبار المركز
الدكتورة اخلاص العيدي والتاريخ المغولي



مقابلة اجرتها  عبر شبكة الانترنت ،محررة زاوية ( اطروحات)السيدة رفل حلمي

 


في البداية نود  ان نرحب بك دكتورة اخلاص ، ونرجو ان تقدمي  لقرائنا نبذة  عنك ؟

    اهلا  ومرحبا بك  . انا إخلاص محمد سليمان العيدي، من مواليد مدينة الكرك الواقعة في جنوب الأردن. درست التاريخ في جامعة مؤتة/الكرك،  وتخصصت في مرحلتي الماجستير والدكتوراه في تاريخ المغول . مقيمه في الأردن، واعمل الآن في كلية العقبة الجامعية، وهي إحدى الكليات التابعة لجامعة البلقاء التطبيقية.

  قرات اطروحتيك  في مرحلتي الماجستير والدكتوراه وكان موضوع المغول محورا اساسيا فيهما . ترى ما الذي دفع بك الى دراسة تاريخ المغول ؟

بدأت أول اهتماماتي بدراسة التاريخ المغولي من بحث بسيط قدمته لمادة" تاريخ المغول" ضمن مساق مرحلة البكالوريوس. كان مدرس المادة ، الأستاذ الدكتور احمد الحسو، يحثنا دائما على ضرورة تحليل الرواية التاريخية ونقدها قبل الأخذ بها؛ هذا جعلني أتعمق بتاريخ هذه الفترة، التي وجدت في أحداثها ما يثير حماسي لدراستها والبحث في حقائقها. فمما لا شك فيه، أن العصر المغولي يعد من أكثر العصور التاريخية، إثارة للفزع، على مستوى التاريخ الإنساني عامة، إذ اكتسح هؤلاء القوم، في حملات مدمرة، مراكز الحضارة في رقعة شاسعة من الأرض ، امتدت من الصين شرقاً حتى بلاد الشام غربا إضافة لغزوها لشرق أوربا وغربها، دمروا خلالها مدناً و سفكوا كثيراً من الدماء، وأقاموا خلال فترة زمنية قصيرة دولة عظمى، مترامية الأطراف، شيدوها على أنقاض دول أسقطوها، وعروش أثلّوها، بطرق أثارت حماس المؤرخين للبحث بها ودراستها.

    إضافة لذلك أدركت من بحثي المتواصل في تاريخ هذه الفترة انه على الرغم مما أحدثه ظهور المغول من تغييرات جوهرية في الجغرافية السياسية والبشرية للمشرق الإسلامي. إلا أن المكتبة العربية تعاني فراغا كبيرا فيما يخص تاريخ هذه الأقوام، باستثناء بعض الدراسات القيمة لمؤرخين معدودين. هذا ما دفعني للتوجه لدراسة تاريخ المغول


يلاحظ انك اعتمدت في اطروحتك التي نلت بها شهادة الدكتوراه على كتابات المؤرخ عطا ملك الجويني ، بل ان رسالتك للماجستير كتبت عنه. لماذا ؟

   نعم هذا صحيح فقد تحريت في رسالة الماجستير التعريف بالمؤرخ الفارسي عطاملك الجويني ودوره السياسي والثقافي في الفترة(623-657هـ). وخلال بحثي  في الانجازات الثقافية لهذه الشخصية، وجدت أن كتابه المعروف بجهانكشاي أو تاريخ فاتح العالم، يَعد وثيقة تاريخية قيمة، لمؤرخ استطاع أن يدرك تاريخ عصره، ويؤرخ له، ضمن فلسفة خاصة تعكس مدى تفهمه للدور المغولي وواقع القوى السياسية المختلفة التي سبقت ظهورهم ثم عاصرتهم وتلك التي انتهت على أيديهم كالدولة الخوارزمية والطائفة الاسماعيلية.

  إن إدراكي لأهمية كتاب (جهانكشاي) ولد في نفسي الشعور بالمسؤولية تجاه هذا المصدر الهام، لذلك آثرت أن أخصص رسالة الدكتوراه لدراسته واستخلاص تاريخ المغول من بين مضامينه التاريخية  ، ولا اكتمك ان ذلك كان مهمة صعبة امام اسلوب الجويني ذي الصبغة الأدبية الرائعة.

ولكن عطا ملك الجويني كما هو معروف هو احد رجالات الدولة المغولية ، فكيف يصح الاعتماد عليه في دراسة تاربخهم؟

 الجويني واحد من المصادر المهمة  التي لا غنى عنها في أية دراسة للتاريخ المغولي من ناحيتين : اولاهما انه  قدم معلومات عن المغول باعتباره شاهد عيان، وثانيهما انه قدم رؤية وتفسيرات لهذا التاريخ . ومن البدهي أن يتم التعامل مع أي نص تاريخي سواء كان للجويني او لغيره  في اطار من الجرح والتعديل .

اذن كيف تناولت هذه الشخصية في دراساتك

   حاولت في إطار خطة وضعتها لنفسي أن أخصص مرحلة الماجستير لدراسة شخصية عطاملك الجويني من ناحيتين، عالجت في أولاهما نشأته وحياته، ثم دوره السياسي أثناء عمله في ديوان خراسان ثم توليه حكم ولاية العراق العربي في عهد الدولة الايلخانية المغولية. و درست في ثانيهما الجويني مؤرخاً، مع التركيز على منهجه التاريخي في كتابه جهانكشاي. وبعد أن أتممت التعريف بالجويني ودوره السياسي والثقافي ضمن مرحلة الماجستير، انتقلت في مرحلة الدكتوراه إلى دراسة تاريخ المغول كما قدمه الجويني في كتابه، محاولة تغطية بعضٍ من أحداث تاريخ المغول التي يحولها الغموض. ويبقى الباب مفتوحا لدراسات أخرى  من قبل الدارسين وانا منهم، فالتاريخ المغولي بحاجة إلى دراسات معمقة .

 كيف تقييمين كتابات الجويني قياسا على ما كتبه غيره؟

 تكمن أهمية كتابات الجويني في كتابه (جهانكشاي) لكونه من أهم وأقدم المصادر التاريخية التي يعول عليها في تاريخ الحقبة المغولية، ومظاهر الحضارة فيها. كما أنه يمثل موسوعة تاريخية وأدبية لرجل أرخ لأحداث عاصرها  وكان جزءا منها ،بل و شاهدها بام عينه، وأخرى سمعها من ثقات التقى بهم خلال أسفاره في ممالك الإمبراطورية المغولية، إضافة لما جمعه أثناء عمله في ديوان خراسان، في الفترة ما بين عامي(643-654هـ/1245-1256م)، عدا أنه كان الرجل الوحيد الذي اطلع على مكتبة ألموت الإسماعيلية وانفراد بالاستفادة منها، ولا ننسى أن جهانكشاي كان المصدر الأم لأهم مصادر تاريخ المغول ومنها كتاب جامع التواريخ لرشيد الدين الهمذاني، وتاريخ وصاف للشيرازي .

       عدا عن ذلك، فقد درس الجويني المغول ضمن منظور تاريخي خاص بـه، رأى فيه أن التاريخ يحقق فائدتين : دينية ودنيوية ، أما فائدة الدين فتتمثل برؤية الجويني بأن مسار التاريخ محكوم بقضاء الله وقدره، بينما تختص الفائدة الدنيوية باستنباط الحكم والعبر من حكايا التاريخ والاستفادة منها. هذا ما ميز كتابات الجويني عن غيرها وصبغها بصبغة خاصة جعلتها في غاية الأهمية.         

 في رسالتك للدكتوراه درست المغول كما ارخ لهم عطا ملك الجويني . يرجى اعطاءنا خلاصة عما تضمنته فصول هذه الدراسة .

  تناولت في الفصل الأول من الرسالة عطاملك الجويني ومنهجه في كتابه تاريخ جهانكشاي، اما الفصل الثاني فقد درست فيه ما أورده الجويني عن القائد المغولي جنكيزخان منذ ظهوره في حدود سنة599هـ/1202م ، وحتى سنة 615هـ/1218م، إضافه لمقدمة مختصرة عن حال المغول قبل قيام دولتهم. وخصصت الفصل الثالث لدراسة علاقة جنكيزخان بالدولة الخوارزمية، بدءاً بمرحلة تبادل السفارات بينه وبين السلطان علاء الدين الخوارزمي، ومروراً بمرحلة الحملات العسكرية بينهما. وفي الفصل الأخير تتبعت أخبار  خلفاء جنكيزخان من أولاده وأحفاده، محاولة إعطاء صورة عن دورهم في بناء الدولة المغولية، كما أرخ لهم الجويني. وقد أنهيت الدراسة بتقييم مادة عطاملك الجويني عن المغول.

 في قراءتي للفصل الاخير من رسالة الدكتوراه شعرت بان المؤرخ عطا ملك الجويني  كان شخصية غير اعتيادية  . من هنا اود ان تتحدثي عن تقييمك للمادة التاريخية التي قدمها هذا الرجل عن عصره وعن المغول بشكل خاص  .

يمكن ان الخص  تقييمي لمادة الجويني عن المغول  بالجوانب التالية :

أولاً: درس الجويني التاريخ المغولي في ضوء رؤيته للقضاء والقدر، فقد اعتبر مسار التاريخ محكوما بقضاء الله وقدره، وبناءً على ذلك، فسر مسألة سقوط دول وقيام أخرى، بقوله أن سقوط أية دولة يكون عندما تفقد تلك الدولة قدرتها على ضبط أمورها، وتبدأ أوضاعها تسير نحو الإنحطاط، فيتدرج حظها بالتقهقر ويكتب القدر على صفحاتها قوله تعالى" تنزع الملك ممن تشاء" . و في الوقت نفس يبدأ في هذه الحياة ظهور نجم دولة أخرى تتكلل تحركاتها بالنجاح والتقدم المستمر، فيبدأ حظها بالسطوع، ويكتب القدر على جبينها قوله تعالى "تؤتي الملك من تشاء".

 ووفقاً لهذه الرؤية درس الجويني قيام دولة خانات المغول، حيث رأى فيها، تلك الدولة التي جَرَّت عليها الأقدار" مياه الإقبال أنهاراً" وأزالت عنها"جيوش المحنة والمعارضين والمعاندين الذين كان وراءهم ملوك جبابرة، وسلاطين أكأسرة" .

ثانياً: تعامل الجويني مع الدولة المغولية على أنها عقاب الله الذي قدره على الدولة الخوارزمية بعد ان بلغت حدها بالعصيان والتمرد على شعائر دينها الحنيف، وابتعدت عن واجبها القائم على نصرة هذا الدين ونشره. وكما أنزل الله العذاب على الامم الغابرة لما طغت وتكبرت على ربها، فقد رأى الجويني أنه حان الآوان لزوال الدولة الخوارزمية، بعذاب حدده بظهور الدولـة المغولية. ودعم الجويني صحة رأيه بحديث شريـف اورده  يُفهم منـه أن الله تعالى قـدر لهذه الأمـة ( اي : أمة محمد عليه السلام ) أن يكون عقابها بالسيف ، مستدلا  بذلك على ما نسب الى الرسول (ص) من قول : " سألت الله أن لا يبعث على أمتي عذابا من فوقهم ومن تحت أرجلهم فأعطاني ذلك، وسألته أنلا يجعل بأسهم بينهم فمنعني. وأخبرني جبريل أن فناء أمتي بالسيف".

    يتضح بجلاء عدم صحة  ما ذهب اليه الجويني من ان الدولة المغولية، عقاباً نزل من الله لإزالة الدولة الخوارزمية، وان إزالتها يعني  فناء لامة محمد عليه السلام، كما فنيت أمم من سبقه من الرسل، فمن المؤكد شرعاً أن هذه الأمة باقية إلى يوم القيامة. كما ان الحديث الذي استدل به حديث مختلف فيه  اقتبسه من الزمخشري في تفسيره  للآية الكريمة" قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم". وقد اظهرت دراستي لهذا الحديث أن الزمخشري أورده دون سند، إلا ما روي فيه من خبر جبريل، وقد ذكر مصحح الكتاب أنه رواية لابن عباس، وقد أظهرت الدراسة ذاتها أن ابن كثير استعان بالحديث نفسه لتفسير الآية نفسها، ولكنه ذكر أكثر من رواية له  منها ما رواه ابن عباس. ويلاحظ أن روايته جاءت مخالفه لما أورده الزمخشري ونقله عنه الجويني،وعلى الوجه التالي:" اللهم لا ترسل على امتي عذاباً من فوقهم ولا من تحت أرجلهم، ولا تلبسهم شيعاً ولا تذق بعضهم بأس بعض" قال: فاتاه جبريل فقال يا محمد إن الله قد أجار أمتك، أن يرسل عليهم عذابأ من فوقهم او من تحت أرجلهم".

 ويبدو أن الخطـأ الذي وقـع فيه الجوينـي ليس في اعتماده على حديث مختلف فيروايته فحسب، بل إنه سخر حديث الرسول الكريم ليخدم فكره الخاص بما هو ليس مما قصده الحديث، فالرسول الكريم لم يقصد بهذا الحديث المغول كما فسره الجويني.

   ان ما  دفع بالجويني الى اعتبار المغول عذاباً هالكاً،  هم ما سمعه عن قوتهم وسطوتهم وما رأى من جبروتهم وقسوتهم، كما انه من جانب آخر استعظم زوال الدولة التي ينتمي هو اليها وهي الدولة الخوارزمية ، فاعتبر سقوطها جزاء من الله، حل بأمة نبيه، ولعله يشارك بذلك شعور الأسى الذي عبر عنه مؤرخ عاصر هذا الحدث، وهو ابن الاثير(ت630هـ) الذي ذكر في مقدمة حديثه عن المغول:" لقد بقيت سنين عدّة معرضاً عن ذكر هذه الحادثة استعظاما لها، وكارهاً لذكرها، فأنا أقدم رجلاً وأواخر أخرى، فمن الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين، ومن الذي يسهل عليه ذكر ذلك".

ثالثاً:  رأى الجويني في المغول مشيئة إلهية جاءت لنصره المسلمين ودينهم، ويتضح هذا فيما ذكره عن قيام دولة خاقان المغول منكوقاآن، حيث قال: حين" بلغ جفاء الدنيا مرحلة لا يمكن أن تزداد في مكنون الضمير، وحين بلغ الظلم والأسى غايته، وعم الغشم والفساد نهايته، تحقق القول: اشتدي أزمةُ تنفرجي، وجاء مصداق الآية" إن مع العسر يسرا"

   ولما لم يكن المغول على دين الإسلام، فقد برر الجويني اعتباره لدولتهم حامية لأهله، بقوله بان المغول، _ وإن لم يكن لهم معتقد معين _ إلا أنهم اعترفوا بوجود الله، وكانوا يعتقدون أن من وسائل التقرب اليه تعالى عدم التعصب لملة على ملة، وترك المرء وما يعتقد، واكرام علماء كل أمة ولا سيما المسلمين، فقد نظروا اليهم نظرة توقير واحترام.

وقد دلل الجويني على رأيه هذا بذكر كم كبير من الأعمال التي قصد منها الخانات  اعلاء شأن الدين الإسلامي. فكان مما روى في تأريخه لجنكيزخان انه حين الزم كوجلك خان المسلمين بترك دينهم واعتناق المسيحية او الوثنية، غضب ذلك الخان وقرر نصرتهم؛ حيث توجه على رأس جيش إلى كاشغر بقصد إنهاء الفساد و الظلم الذي كان قد عم في بلاد الإسلام. وبعد ان فرض المغول سيطرتهم على تلك البلاد أجازوا _ كما ذكر الجويني _" الأذان والتكبير وأداء الصلوات، وخرج منادٍ منهم ينادي في المدينة أن لكل فرد من أهل المدينة الحق في أن يعيش كما يريد ويدين بالدين الذي يعتقد به".

   وفي حديثه عن منكوقاآن، ذكر الجويني ان هذا القاآن مع انه كان على الديانة المسيحية ، إلا انه عمل جادا على إحياء شعائر الدين الإسلامي، ودلل الجويني على ذلك بالمدرسة التي أمر القاآن ببنائها في بخارى بقيمة الف بالش، والتي كلف شيخ الإسلام سيف الدين الباخرزي بالاشراف عليها، وبالصدقات التي كان يخصصها للفقراء والمساكين من المسلمين، وبما كان يغدق عليهم من هدايا وعطايا ولا سيما في ايام عيـد الفطر المبـارك. وقد روى الجويني أنه في عـيد سنة 650هـ/ 1252م قصد قاضي القضاة محمود الخجندي مع عدد من المسلمين معسكر القاآن، وبعد أن أدى المسلمون صلاة الجمعة، دعا الخجندي للقآن، ففرح به ومنحه هو ومن معه عدداً من الباليشات الذهبية والفضية، وانواعاً ثمينة من الملابس. كما ضمّن الجويني حكاياه عن القآن بحكايا ابرز فيها عطف القاآن على المسلمين ونصرته لهم. فكان مما روى ان احد المسلمين كان قد استدان من أمير ايغوري أربعة بالشات فضة، ولما عجز المسلم عن دفعها عذبه الأمير، واجبره على ترك دينه والدخول في عبادة الاوثان. فاشتكى المسلم للقاآن، وبعد ان تحقق من الأمر، وثبت له صدق المسلم، أمر بضرب الأمير مئة جلدة، واعطاء المسلم مئة بالش.

يتضح  من اقوال الجويني هذه ،انه بالغ كثيراً في اعتباره المغول أنصاراً للإسلام، فمما لا شك فيه أن اولئك الاقوام لم يكن لهم اي اهتمام بالدين الإسلامي او المسلمين  بل على العكس من ذلك، كان المغول غزاة غايتهم مد نفوذهم على أكبر قدر من الاراضي، دون اي اعتبار لسكانها، فقد اجمعت المصادر_  ومنها كتاب الجويني نفسه -  على ان سياستهم في الغزو قامت على تدمير المدن التي دخلوها وقتل سكانها دون تمييز بين رجل و أمراة، ولا بين رضيع و شاب، ولا بين مدني ومحارب. كان مما ذكر الجويني نفسه عن قسوة المغول في الحروب، ونهبهم للمدن، وقتلهم لكثير من الاهالي وانتهاكهم لحرمة المساجد، ما جاء في حديثه عن غزو المغول لبخارى حيث روى أن جنكيزخان حين سيطر عليها دخل مسجدها وافرغ مع جنده المصـاحف على الأرض وداسوها بحوافر خيلهم، ثم شربوا فيه الخمر بحضرة المغنيات والراقصات(2) . كما أمر العلماء والفقهاء والمشايخ برعايـة خيول المغول ودوابهم، وطلب ان تحرق المحلات والمنازل، ولما كانت مبنية من الخشب، فإن النار استمرت مشتعلة طيلة ايام عديدة، ثم هاجم الناس وقتل منهم أكثر من ثلاثين الفا، وقد عبر الجويني عن ذلك بقوله:"لم يتركوا صغيرا أو أمرأة أو كبيرا، وكأنهم أشجار سروٍ، اجتثت من جذورها ورميت". وقال فيما رواه عن غزو المغول لخوارزم "...وقتلوا عددا لا يحصى... وساقوا الباقين إلى الصحراء، فمن كان ذا حرفة وصناعة فصلوه، ...واخذوا النساء والاطفال عبيدا، أما باقي الرجال فقسموهم على الجيش ليقتلوهم، فكان نصيب كل جندي قتل اربعة وعشرين رجلا... ثم شغل الجيش بالنهب والسلب وتهديم بقايا المنازل والمحال" .

   لذا فمن المستبعد ان يكون جنكيزخان قد توجه لغزو كوجلك خان من أجل رفع الظلم عن المسلمين_كما ذكر الجويني_، بل ان تحركاته نحو البلاد الواقعة غرب منغوليا ومنها بلاد كوجلك خان، كانت ضمن خطة توسعية بدأها جنكيزخان واستمر بها ابناؤه من بعده، وهذا ما أثبتته احداث التاريخ المغولي التي رواها الجويني نفسه فيما بعد.

  وفيما يخص سياسة خانات المغول التي رأى فيها الجويني، نصره للدين الإسلامي الحنيف، فمن الواضح في كتابات الجويني نفسه، أن الخانات المغول وإن كان بعضهم كمنكوقاآن قد شمل المسلمين بحسن المعاملة باعتبارهم من ضمن رعيته، إلا أن منهم من اساء للمسلمين، وقد أشار الجويني إلى ذلك في حديثه عن كيوك خان الذي كان شديـد القسوة والحـدة عليـهم، لذا لا يمكـن قبول رأي الجويني على انهم كانوا  مناصرين للمسلمين . 

رابعاً: يبدو جلياً من كتابات الجويني مدى اعجابه بالمغول، واطرائه على شجاعتهم وقوتهم، فقد حشد في كتابه العديد من العبارات التي تمجدهم وتتفاخر بحكمهم، حيث ذكر في حديثه عن جنكيزخان بأن الله تعالى منحه العقل والمعرفة التي فاق بهما أقرانه، ووهبه القدرة والتسلط على ملوك الدنيا واسماه "ملك العالم". ووصف منكوخان بأن الله تعالى أورثه" الملك والعدل، ومنحه سعادة العمر، وألهمه الشفقة على سائر خلقه"، ولقبه بـ" حاتم الزمان وحاكم المكان" (وقال  في حكمه" وبحمد الله تعالى ما زالت هذه المنازل المباركة مُسْعَدَه بقدوم ملك الملوك المشهور، أنوشيروان زمانه منكو قاآن، ومزينه بوجوده، والدنيا مستظلة بسياسته وعدله والرباع مزهرة بخيره، وهبه الله تعالى مزيدا من العدل ونفاذ الرأي والأمر والنهي، وأهداه عمرا مديـدا وقـوى بسلطانه دين الحق" . وشبه جلوس كيوك خان، بالربيع فقال" وجاء الربيع فبشر بالخير، ووضع على النجوم قدم السعادة، ورسم قلم النسيان على صفحة البستان صورة إرم، وتحلت الوديان بأزهار شهر فروددين ووفود الرياحين من كل لون، وشكر الربيع فضل البديع بالبراعم المفتحه، ولهج السوس بالبهجة بكل لسان..." والكتاب زاخر بالعبارات بمثل تلك العبارات التي تفاخر بخانات المغول.

  وقد حاول المؤرخ المعاصر بروان ان يفهم نهج الجويني في مدحه للمغول ووجد أنه لم يمدح المغول اعجاباً بهم_ كما يبدو للقارئ_، بل أن سوء حظه الذي اضطره للعمل مع المغول الاجلاف هو ما اضطره  بالتبعية إلى التحدث عنهم في ادب ومجاملة.

واجدني متفقة مع هذا الرأي .

 دعيني اقف هنا متسائلة :

كيف تنظرين انت كمؤرخة الى  ما قاله الجويني عن المغول ؟

في الواقع  انني انظر اليها باعتبارها صورة حية تعكس معاناة الرجل وقلقة النفسي في كتابته لتاريخ المغول وهو يعيش بين ظهرانيهم، وبسبب ذلك فهو يقر انه امتثل في تدوين تاريخ المغول" ما هو مقرر ومحقق"، وخضع فيه للأمر الرباني" ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" وقال صراحة أن من انصاع لقوانينهم وأوأمرهم نجا من معرة سطوتهم. ثم خاطب اصحاب المعرفة، فطلب منهم أن يعاملوه بمضمون قول الشاعر:

إذا أحسست في لفظي فتورا          وخطي والبراعة والبيان

فلا ترتب لفهمي إن رقصي          على مـقدار ايـقاع الزمان

وسألهم إذا ما رأوا في كتابه" تفريطاً أو إفراطاً" أن يضعوا نصب أعينهم قوله تعالى" وإذا مروا باللغو مروا كرأما".

   ان هذه الصورة القلقة التي ظهر بها الجويني، تجاه التعامل مع المغول، هي جزء من حالة عامة عاشتها شرائح المجتمع المختلفة في المشرق الإسلامي في ظل الغزو المغولي له، وهو أمر حاول الجويني ان يقدم صورة عنه، كما رآها من وجهة نظره وبالقدر الذي يستطيع قوله صراحةأو تلميحاً.

شكرا لك  دكتورة اخلاص على هذه الصورة الوافية عن تاريخ مرحلة مهمة من تاريخ المغول والمشرق الاسلامي واود ان اختتم  هذا اللقاء القيم بالتمنيات الطيبة لك وبان نشهد لك اسهامات اخرى .

عودة الى صفحة أطروحات

- مركز الحسو للدراسات الكمية والتراثية - حقوق الطبع والنشر محفوظة 2011